والآن أجيبكم على سؤالكم: تبوبو احبتي لأن التوبة:
1-
طاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى، فهو الذي أمرك بها فقال: يا أيها الذين
ءامنوا توبوا الى الله توبة نصوحاً [التحريم:8]. وأمر الله ينبغي أن يقابل
بالامتثال والطاعة.
2- سبب لفلاحك في الدنيا و الآخرة، قال تعالى: وتوبوا الى الله جميعاً أيه
المؤمنون لعلكم تفلحون [النور:31]. فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ،
ولا يسر ولا يطمئن ؛ ولا يطيب ؛ إلا بعبادة ربه والإنابة إليه والتوبة
إليه.
3- سبب لمحبة الله تعالى لك، قال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب
المتطهرين [البقرة:222]. وهل هناك سعادة يمكن أن يشعر بها إنسان بعد
معرفته أن خالقه ومولاه يحبه إذا تاب إليه؟!
4- سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف
أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، إلا من تاب وءامن وعمل
صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً [مريم:59،60]. وهل هناك مطلب
للإنسان يسعى من أجله إلا الجنة؟!
5- سبب لنزول البركات من السماء وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين،
قال تعالى: ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم
مدراراً ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين [هود:25]، وقال: فقلت
استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال
وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً [نوح:10-12].
6- سبب لتكفير سيئاتك وتبدلها الى حسنات، قال تعالى: يا أيها الذين ءامنوا
توبوا الى الله توبة نصوحا ً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات
تجري من تحتها الأنهار [التحريم:8]، وقال سبحانه: إلا من تاب وءامن وعمِل
عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً
[الفرقان:70].
أخي الحبيب اختي الحبيبه:
ألا
تستحق تلك الفضائل – وغيرها كثير – أن تتوب من أجلها؟ لماذا نبخل على
انفسنا بما فيه سعادتنا؟.. لماذا نظلم انفسنا بمعصية الله ونحرمها من
الفوز برضاه؟...جدير بنا أن نبادر الى ما هذا فضله وتلك ثمرته.
قدّم لنفسك توبة مرجوة *** قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غُلق النفوس فإنها *** ذخر وغنم للمنيب المحسن
كيف أتوب؟
أخي الحبيب اختي الحبيه: كأني
بكم تقولو: إن نفسي تريد الرجوع إلى خالقها، تريد الأوبة إلى فاطرها، لقد
أيقنت أن السعادة ليست في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات، واقتراف
صنوف المحرمات... ولكنها مع هذا لا تعرف كيف تتوب؟ ولا من أين تبدأ؟
بعض الأمور التي تعينك على التوبة وتساعدك عليها: وأقول لك: إن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً يسر له الأسباب التي تأخذ بيده إليه وتعينه عليه، وها أنا أذكر لك
1- أصدق النية وأخلص التوبة: فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة
أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده عن
التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من
السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه
السلام: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين [يوسف:24].
2- حاسب نفسك: فإن محاسبة النفس تدفع إلى المبادرة إلى الخير، وتعين على
البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين
ما له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد وقوعها.
3- ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها: قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛
فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت فلان وفلان.. أما تعلمين أن الموت
موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟ والدود أنيسك؟... أما تخافين أن
يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟ هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل
يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك،
وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها
حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب.
4- اعزل نفسك عن مواطن المعصية: فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما
يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعون نفساً قال له العالم: {
إن قومك قوم سوء، وإن في أرض الله كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب
فاعبد الله معهم }.
5- ابتعد عن رفقة السوء: فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك
وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً،
وتسوقهم سوقاً.. فغيّر رقم هاتفك، وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر
الطريق الذي كنت تمر منه... ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: { الرجل على
دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل } [رواه أبو داود والترمذي وحسنه
الألباني].
6- تدبّر عواقب الذنوب: فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة
المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد دعاه ذلك إلى ترك الذنوب بداية، والتوبة إلى
الله إن كان اقترف شيئاً منها.
7- أَرِها الجنة والنار: ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه.
8- أشغلها بما ينفع وجنّبها الوحدة والفراغ: فإن النفس إن لم تشغلها بالحق
شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي إلى الانحراف والشذوذ والإدمان، ويقود إلى
رفقة السوء.
9- خلف هواك: فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: أرءيت
من اتخذ إلهه هواه [الفرقان:43]. فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في
نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه.
10- وهناك أسباب أخرى تعينك أخي الحبيب على التوبة غير ما ذُكر منها:
الدعاء الى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر الأمل
وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، إلى غير ذلك من
الأمور التي تعينك على التوبة.