بناء الكعبة ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة قامت
قريش في بناء
الكعبة حين تضعضعت .
قال أهل السير كان أمر البيت - بعد إسماعيل عليه السلام - إلى ولده ثم غلبت
جرهم
عليه . فلم يزل في أيديهم حتى استحلوا حرمته . وأكلوا ما يهدى إليه . وظلموا من دخل
مكة ثم وليت
خزاعة البيت بعدهم إلا أنه كان إلى قبائل من
مضر ثلاث خلال-
الإجازة بالناس من عرفة يوم الحج إلى
مزدلفة ، تجيزهم صوفة .
والثانية الإفاضة من
جمع ، غداة النحر إلى
منى . وكان ذلك إلى يزيد بن
عدوان ، وكان آخر من ولي ذلك منهم أبو سيارة .
والثالثة إنساء الأشهر
الحرم . وكان إلى رجل من بني كنانة يقال له حذيفة ثم صار إلى جنادة بن عوف .
قال
ابن إسحاق : ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة جمعت
قريش لبنيان
الكعبة . وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ، ويهابون هدمها ، وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها . وذلك أن قوما سرقوا كنز
الكعبة وكان في بئر في جوف
الكعبة . وكان البحر قد رمى سفينة إلى
جدة لرجل من تجار
الروم
، فتحطمت . فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها .
وكان بمكة رجل قبطي نجار . فهيأ لهم بعض ما كان يصلحها . وكانت حية تخرج من بئر
الكعبة التي كان يطرح فيه ما يهدى لها كل يوم فتتشرق على جدار
الكعبة ، وكانت مما يهابون . وذلك أنه كان لا يدنو منها
أحد إلا اخزألت وكشت وفتحت فاها . فبينما هي ذات يوم تتشرق على جدار
الكعبة ، بعث الله إليها طائرا فاختطفها . فذهب بها . فقالت
قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا . عندنا عامل رفيق وعندنا خشب . وقد كفانا الله الحية .
فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها : قام أبو وهب بن
عمرو بن عائذ المخزومي فتناول من
الكعبة حجرا . فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال يا معشر
قريش ، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا . ولا مظلمة
أحد من الناس .
ثم إن قريشا تجزأت
الكعبة . فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة . وما بين الركن الأسود واليماني - 44 - لبني مخزوم . وقبائل من
قريش انضافت إليهم . وكان ظهر
الكعبة : لبني جمح وبني سهم . وكان شق
الحجر
: لبني عبد الدار ولبني
أسد بن عبد العزى ، ولبني عدي . وهو
الحطيم .
ثم إن الناس هابوا هدمها . فقال
الوليد بن المغيرة :
أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول . ثم قام عليها . وهو يقول اللهم لا ترع - أو لم نزغ - اللهم إنا لا نريد إلا الخير . ثم هدم من ناحية الركنين . فتربص الناس تلك الليلة . وقالوا : إن أصيب لم نهدم منها شيئا . ورددناها كما كانت وإلا فقد رضي الله ما صنعنا . فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله . فهدم وهدم الناس معه .
حتى إذا انتهى
الهدم بهم إلى الأساس - أساس إبراهيم عليه السلام - أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة أخذ بعضها بعضا . فأدخل بعضهم عتلة بين حجرين منها ليقلع أحدهما . فلما تحرك
الحجر : انتفضت
مكة بأسرها . فانتهوا عند ذلك الأساس .
ثم إن القبائل من
قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة . ثم بنوها . حتى بلغ البنيان موضع [url=http://sirah.al-islam.com/places.asp?p=%c7%e1%cd%cc%d1% %c7%e1%c3%d3%e6%cf]الحجر الأسود [/url]. فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما . تعاهدوا - هم
وبنو عدي بن كعب - على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم . فسموا " لعقة الدم " فمكثت
قريش على ذلك أربع ليال . أو خمسا .
ثم إنهم اجتمعوا في المسجد . فتشاوروا وتناصفوا .
فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن
المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي - وكان يومئذ أسن
قريش كلهم - قال اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب المسجد . ففعلوا . فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأوه قالوا " هذا الأمين رضينا به هذا محمد " فلما انتهى إليهم أخبروه
الخبر . فقال صلى الله عليه وسلم
هلم إلي ثوبا " فأتي به . فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب . ثم ارفعوا جميعا " ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه
.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة . وكانوا يرفعون أزرهم على عواتقهم ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبط به - أي طاح على وجهه - ونودي " استر عورتك " فما رئيت له عورة بعد ذلك .
فلما بلغوا خمسة عشر ذراعا سقفوه على ستة أعمدة .
وكان البيت يكسى القباطي . تم كسي البرود . وأول من كساه الديباج الحجاج بن يوسف .
وأخرجت
قريش الحجر لقلة نفقتهم . ورفعوا بابها عن الأرض لئلا يدخلها إلا من أرادوا . وكانوا إذا أرادوا أن لا يدخلها
أحد لا يريدون دخوله تركوه حتى يبلغ الباب ثم يرمونه .
فلما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله بشيرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .